منذ بداية التأريخ ومن حوالي الفي سنة قبل الميلاد، كانت منطقة آسيا الوسطى هي المكان الذي صُنعت فيه الإمبراطوريات , ونشأت فيه الحضارات وتطورت فيه العلوم وتنقلت فيه الثقافات , كما أن الأراضي المنخفضة في بلاد ما بين النهرين( دجلة والفرات ) شهدت حضارة اخرى لا تقل قيمة ثقافية وعلمية عن حضارات الشرق ذاتها. ففي هذه المنطقة بالتحديد، تشكلت أولى المجتمعات والمدن. انها ارض «الهلال الخصيب»، وتمتد من الخليج العربي وصولاً إلى ساحل البحرالأبيض المتوسط. هنا بالذات، هو المكان الذي ظهرت فيه أول القوانين المسجلة قبل حوالي أربعة آلاف سنة على يد حمورابي، ملك بابل.حضارات عمرها الاف السنين طغت عليها حضارة من لا تاريخ لهم بنظرة استعلائية سوقتها ثقافة ووسائل اعلام غربية عن انتصار الغرب سياسيا وثقافيا وعلميا واخلاقيا وقد كانت في صعودها مرتبطة بإغفال الآخرين وطمس تاريخهم وحضارتهم وعلومهم مظهرة تجسيد حق الحياة ودور الصناعة والديمقراطية في حضارة فتيه لخصت البحث عن الحرية والسعادة في بلاد عمرها على مقياس الزمن لا يتعدى طور الطفولة ظهرت مع تفوق الغرب وانتقال الهيمنة العسكرية والاقتصادية والمالية والصناعية اليه مع انتهاء الحرب العالمية الاولى ووصولها قمة السيطرة مع نهاية الحرب العالمية الثانية مقارنة مع حضارات طمست مئات السنين.غير أنه مع ذلك، فإن ما نشهده اليوم هو مخاض في منطقة كانت ذات يوم تهيمن على المشهد الفكري والثقافي والاقتصادي، وهي تبزغ من جديد؛ إذ نشهد علامات تحوّل مركز الجذب في العالم , والعودة إلى المكان الذي كانت ترقد فيه لآلاف السنيناليوم، تحقق الصين تمدداً غير مسبوق، حيث قال الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عام 2012: «إن أمتنا تمر بلحظة انتقالية». هذه اللحظة الانتقالية بالذات، هي الفترة التي سيتم التركيز عليها في السرد للوقائع التي تحصل والتي ستمتد لتبلغ ذروتها الى العام 2040 والتي ستمثل عصرا انتقاليا ستتحول موازين القوى فيه وتتبدل مناطق الجذب التجاري والاقتصادي لتعود نحو الشرق , ففي حين ينشغل الغرب بالتهديدات التي تحوق به والتعامل مع التطرف الديني والتفاوض مع الدول من منطق القوة والاستعلاء وابتذاذها عن طريق الدفع مقابل الحماية وتجاهل القانون الدولي , فأن هناك شبكات وطرق دولية وممرات برية وبحرية وبنى تحتية هائلة يتم ربطها بهدوء في ارجاء اسيا لتمتد منها الى دول القارة الافريقية واوروبا بتخطيط يمتد لعقود قادمة تعيد سيطرة الشرق القديم على اقتصاديات وتجارة العالم عبر المشروع الحلم الذي تحققه وتنفذه الصين وهو يبنى وينفذ ويسير بخطى ثابته على طريق الحرير الجديد مشروع العصر والعصور القادمة " حزام واحد وطريق واحد "عصر طريق الحرير الجديد لو دخلنا تفاصيله واسباب موجباته وحاضره ومستقبله وانعكاساته على دول العالم لاحتجنا الاف الصفحات من السرد ولن نعطيه حقه من الاهمية التي يحظى بها فهو مشروع مستقبل العالم الاقتصادي والتجاري وهو التاريخ يتجدد مع عهد اقتصادي يبزغ من الشرق ويعيد المجد لحضاراته التي سيطرت في حقبة زمنية طويلة على تجارته. لهذا سنكتفي بتفصيل موضوعين اثنين لما يمثلان من اهمية على عالمنا الشرق اوسطي ومنطقة الخليج وعلى من سيتزعم سيادة العالم التجارية والاقتصادية في العقود المقبلة , الاول يتعلق بحرب الموانيء وبشكل خاص الميناء الوصل " جوادر" وهو من ضمن ممر الصين باكستان في طريق الحرير الجديد وهو الممر الذي يصل الصين عبر طول جغرافية باكستان ليصل الى الحدود الباكستانية العمانية وينطلق منه عبر ممرات بحرية الى دول الشرق الاوسط والخليج العربي وقارة افريقيا ويصل الى مرافىء اوروبا وانعكاس هذا الميناء على منطقة الخليج وخاصة على قلب الخليج التجاري امارة دبي . كما يتناول الموضوع الثاني بالتفصيل تطورات مشروع "حزام واحد وطريق واحد" على اقتصاديات العالم وبالاخص نتائجه على الجبارتين اللتين تسيطران على تجارة واقتصاد العالم وهما الولايات المتحدة الامريكية والصين .